في لوحة "فأنِّي أرى الجمال بِكُلِّ حرفٍ حتى كادَ يُخيَّلُ لي أنّها ستنطق"، تقدم الفنانة حنين خليل بياناً فنياً شخصياً عميقاً يعكس جوهر رؤيتها وأسلوبها. إنها لوحة تتوج شغفها بالخط العربي، مقدمةً إياه ليس كفن زخرفي فحسب، بل ككيان حي ينبض بالجمال والمعنى والروح، ويكاد يتحدث.
تُظهر اللوحة الفنانة حنين نفسها، تقف في فضاء معماري تراثي يتميز بجمالياته العربية الأصيلة، كقاعة أو ممر في بيت دمشقي قديم. الجدران المزخرفة بخطوط طولية متناوبة من الألوان الداكنة والفاتحة، والتفاصيل المعقدة في السقف والأقواس، كلها ترمز إلى العمق التاريخي والثقافي الذي ينتمي إليه فن الخط العربي. هذه الخلفية التراثية تؤطر رؤية الفنانة، مؤكدة على أن فنها متجذر في أصالة المكان وعبق الماضي.
في وسط هذا الفضاء، تتأمل الفنانة بعمق الخط العربي الضخم الذي يمتد ويتداخل مع جسدها ومعمار المكان. هذا الخط، الذي يبرز باللون الأبيض الزاهي، ليس مجرد نص، بل هو تجسيد حي للجمال الذي تتحدث عنه الفنانة. إنه يظهر وكأنه جزء لا يتجزأ من كيانها، وكأنه ينبض بالحياة، يوشك أن يلفظ كلماته، محققاً بذلك الجزء الثاني من مقولتها: "حتى كادَ يُخيَّلُ لي أنّها ستنطق". هذا التداخل البصري يخلق علاقة حميمية بين الفنانة والحرف، كما لو كانت تستمع إليه أو تتفاعل معه على مستوى وجودي.
اللوحة بأكملها، بتصويرها بالأبيض والأسود، تعزز من قوة الخطوط والتفاصيل المعمارية، وتبرز التباين بين الضوء والظل، مما يضيف عمقاً درامياً ويعيد التركيز إلى جوهر الفن. هذا الاختيار اللوني يؤكد على أن الجمال ليس في بهرجة الألوان، بل في قوة التعبير والشكل.
الرسالة الفنية المعمقة لهذه اللوحة هي تجسيد لعشق الفنانة حنين خليل اللامتناهي للخط العربي وقدرته على تجاوز مجرد كونه وسيلة للتواصل. إنها دعوة للتأمل في قوة الكلمة المكتوبة، التي تتجاوز المعنى اللفظي لتصبح فناً ناطقاً بذاته، يحمل في طياته روحاً وقصة، ويكون شاهداً على عظمة التراث وتعبيراته المتجددة. هذا العمل ليس فقط شهادة على مهارة الفنانة في فن الخط والكولاج الرقمي، بل هو أيضاً بيان عن علاقتها الشخصية العميقة والفلسفية مع الحرف العربي، الذي يصبح في يدها جسداً وروحاً، قادراً على أن ينطق ويحكي عن الجمال الذي لا يفنى.
← عودة إلى صفحة حنين خليل